احتفلنا مؤخراً بولادة طفلة جميلة فى عائلتنا. أنعم الله على تلك الطفلة بأبوين رائعين ومميزين سيميزان الطفلة حينما تكبر بتحدثها للغتين.
والدة الطفلة تتحدث لغتان، أما والدها فكان مشغولاً فى الأشهر التى سبقت وصول ابنته ببذل الجهد لتعلم لغة زوجته، كنت دائماً مشجعة له، ليس لأننى أتحدث لغتين، لكنى كنت أدعمه عاطفياً لأنني أعرف مدى صعوبة تعلم لغة أخرى، و مدى أهمية تعلم اللغة.
معظم الأفراد الذين ينشأون في منزل متعدد اللغات يستطيعون أن يوضحوا مدى الإرتباك فى تعلم اللغة الذى يعتبرونه أقوى كثيراً من فوائد تعلم اللغة نفسها. التواصل مع الآخر بلغته الخاصة فى أبسط صورة يبنى علاقة ما. بالتأكيد هناك علاقات أخرى أكثر أهمية، وأكثر عاطفية من غيرها، لكن التواصل اللغوى يبقى مؤثرا عندما تتحدث مع جدتك المسنة، أوجارك، أو زميلك فى العمل.
على مدى سنوات عديدة سمعنا آراء مختلفة حول تعرض الأطفال لتعلم لغة ثانية، وجميع الدراسات تؤكد أن الطفل الصغير يلتقط اللغة أجنبية فى هذة المرحلة أكثر سهولة من أى وقت آخر فى حياته، وهناك رافضين لهذا الرأى يقولون بأن تعلم لغات متعددة يأتي على حساب التنمية الأكاديمية والفكرية؛ فيمكن لشخص أن يعرف الإسبانية والانجليزية والهندية، لكن التحكم اللغوى فى كل لغة يأتى على حساب الإتقان اللفظى والكتابى.
في مقالات أخرى نشرت مؤخرا حول فوائد ثنائية اللغة، قال الكاتب يودجيت بهاتاشارجى أن البحوث الحديثة تشير إلى أن تداخل لغة واحدة مع لغة أخرى هو بالفعل أمر موجود ويحدث، لكن هذا التحول المستمر من لغة لأخرى يعتبر عملية مفيدة للإنسان، حيث أنه يعمل على تحسين الوظائف التنفيذية للمخ المسئولة عن التركيز والتبادل بين المهام الأساسية للعقل، ويدفع المخ إلى الحل والفصل بين إختلاطات داخلية معطياً للعقل حلول تقوى من المهارات الإدراكية للإنسان.
بعد أن كبرت فى نظام المدارس الأميركية النموذجية الذى لا يقدم دراسات اللغات الاجنبية قبل سن 14 عاما، عرفت التحديات الأساسية لتعلم لغة جديدة. بذلت جهداً وكان لدى شغف تعلم اللغات، ووقتها لم تكن فوائد الانترنت متاحة (فقد كان هذا منذ سنوات)، إتبعت كثير من مناهج تعلم اللغة المعقدة، وكنت محكومة بأن أكون "وسيط دائم" يقدم قراءة أفضل ومهارات تحدث أفضل، وأن أحسن مهارات الاستيعاب السمعى.
كررت هذه العملية مع لغات أخرى على مدار سنوات منها سنوات عشتها فى الخارج أتعلم، ومازلت أفعل ذلك كمغترب يعيش حاليا فى هولندا. وفعلت ذلك بطريقة مختلفة هذه المرة، فإستثمرت ساعات وساعات من الوقت والجهد في دورات مكثفة. إستفدت من القدرة على مشاهدة التلفزيون والإستماع للراديو لسماع اللغة الهولندية، ومطالعة الصحيفة أو البريد من الحكومة المحلية لقراءته، أو المشي والتحدث مع الجيران وأصحاب المحلات التجارية وغيرهم من زملاء الدراسة خلال اليوم.
أما زوجى، الذى يمكن تسميته بابن الثقافة الثالثة (لأنه أمريكى نشأ فى إيطاليا) يفعل الآن نفس الطريقة مع اللغة الفرنسية فى مكان عمله، وبمرور الوقت وبذل الجهد الكبير، ومازلنا نعتبر وسطاء دائمين للغات. وهذا وصف حقيقى جداً، فقد قلنا لبعضنا مرارا وتكرارا أن كفاحنا اللغوى هو نموذج يمكن وصفه "بالجمباز العقلى"، فعلناه بصورة منفصلة لنحافظ على الأمور والعلاقة بيننا تكبر وتنمو.
مؤخراً أظهر بحث فى جامعة سان دييجو أن هؤلاء ذوى المستويات المتقدمة فى تحدث لغتين هم أكثر مقاومة لأمراض الزهايمر والتخريف، وهذا أظهر لنا أن قدرتنا على شراء التذاكر فى محطة القطار فى باريس، أو طلب المكرونة الإيطالية فى فلورنسا، أو المساومة باللغة الأسبانية في سوق أكابولكو، أثمن كثيراً لنا مما كنا نعتقد.
اليوم طفلتنا ستكبر متحدثة بلغتين، مدعومة بجهود والديها المثالية لتعلم لغة ثانية، وستستفيد من تعلم ذلك فى منزلها، فى مسيرتها الوظيفية، وبالتأكيد الفائدة الأفضل لعقلها، وأيضاً هو سبب يجعلنى أنفض الغبار عن كتب اللغة القديمة والأشرطة اللغوية الخاصة بى، والتحدث مع ابنتى باللغة التى تختارها!!.
لمزيد من المعلومات يمكنك قراءة تلك المواضيع